[align=center]خصائص الفـن الإسلامي[/align]

[align=center][/align]

أ - المثالية الواقعية أو الإطار الفكري للفن الإسلامي:

يمكن التعبير عن الإطار الفكري الذي يعكس التصور الإسلامي للوجود بخاصية المثالية الواقعية.

فالواقعية تعني أن الإسلام يعمل على بلوغ الدرجات الممكنة من الحياد في التعامل مع الواقع، فلا يضع غشاءً من الفكر المسبق على عقل الإنسان وهو يدرك الواقع. ولكن المسألة ليست بهذه البساطة؛ لأن تجريد النظر إلى الواقع من الفكر المسبق ليس كافيًا لتحديد ما يمكن اعتباره واقعيًا مما يمكن إدراكه من هذا الواقع. فالماديون يحاولون اختزال الإدراك الواقعي للحقائق في المدركات المادية فقط، مع أن الموضوعية تقتضي اعتبار كل ما يمكن إدراكه من الحقائق الفاعلة في الواقع حقائق واقعية. فكما أن الحقائق المادية واقع فإن الحقائق الروحية أيضًا واقع. وكما أن قوى الإنسان وإمكاناته وغرائزه واقع فإن مشاعره وطموحاته وارتقاءه واقع أيضًا. والواقعية الحقيقية هي التي تعني وضع كل هذه المدركات في الإطار التصوري للفنان.

لكن الواقعية لا تعني الوقوف عند حد الإدراك السلبي للواقع. فإن جاز هذا في الواقع الطبيعي، فإنه لا يجوز في إدراك العلاقات السائدة بين البشر. فإدراك وجود الحق أو الباطل في الواقع لا يقوم على أسس كمية، بل يستند في الضرورة إلى قيم مستقلة، تستطيع التمييز بين الحق والباطل، مهما حوصر الأول أو شاع الثاني.

كما أن إدراك الواقع لا يعني إقراره. فتلك هي الواقعية التي لا يفهمها سوى الضعفاء والانهزاميين، والتي لا تعني الواقعية بالنسبة لهم سوى الاستسلام للأمر الواقع. فالواقعية الإسلامية تعني اقتحام الواقع، والتصارع مع الباطل، وعدم الاستسلام لمعطياته، حتى ولو نجح في فرض نفسه أمرًا واقعًا بالفعل، ما دامت هناك الإمكانات لتغييره. ووجود الإمكانات الدائمة لتغيير الباطل من مقتضيات العقائد الإسلامية.

والصراع مع الباطل الهدف منه استنهاض الواقع، والعمل على إصلاحه وتقويمه، والسمو به إلى المثل العليا والغايات المنشودة. وهذا ما تعنيه المثالية في الإطار الفكري للتصور الإسلامي. إنها المثالية الواقعية التي تفرض على الفنان التعامل مع الواقع بموضوعية كاملة، والسمو به في نفس الوقت إلى المثل العليا التي تحقق رضا الله ورضوانه. فالفنان المسلم رجل يعيش على الأرض بروح تحلق في السماء. فهو يتفاعل مع الواقع الاجتماعي بعقيدة ربانية ومنهج إلهي؛ ليسمو به إلى غاياته التي يتطلع بها إلى عالم الخلود الذي سوف يستقر به في نهاية المطاف.

والذي يعنيه ما سبق أن الفن الإسلامي مذهب مستقل يتباين تمامًا عن تلك المذاهب الفنية التي نشأت عن تطور المفاهيم العلمانية في الغرب. ولكن ذلك لا يعني في نفس الوقت أن الفن الإسلامي مدرسة فنية غير قابلة للتجدد؛ لأن التصور الإسلامي للوجود، والذي نعبر عنه هنا بالمثالية الواقعية، يجمع ما بين الثابت والمتغير. فالجانب الثابت هو المثالية العقائدية والقيمية للتصور الإسلامي. والجانب المتغير هو الفاعلية الإنسانية التي يتعامل بها هذا التصور مع الواقع. وهذا المتغير قابل للتشكل الفني بحسب التوجهات البشرية المختلفة. ومن المزج بين هذا وذاك يتسع المجال لأن تتوالد العديد من المدارس الفنية المتجددة. ولكنه سيلاحظ دائمًا أنها تختلف عن تلك المدارس الفنية الأخرى التي تتفاعل على أرضية أيديولوجية فنية مختلفة.

ومن ناحية أخرى فإن كون العمل الإبداعي ينطبق عليه معيار الفن الإسلامي؛ فإن ذلك لا يمنحه أي قدر من الارتقاء الفني. فكما قلنا سابقًا فإن المعايير الفنية للعمل الإبداعي مستقلة بذاتها بعيدًا عن أي تصورات إيديولوجية أو أخلاقية. فقد ينطبق على العمل الإبداعي صفة الفن الإسلامي، ومع ذلك يكون فنًا إسلاميًا رديئًا، وقد لا ينطبق عليه تلك الصفة ويكون عملاً فنيًا رائعًا.

ويعيب الحركة الإسلامية بوجه عام أنها اعتمدت على بعض الأفكار التقليدية في توظيف الأدب الإسلامي في الأغراض السياسية والروحية، وهو ما أسهم مع ظروف أخرى - نقدرها تمامًا – في تعويق قدراتها الأدبية، فلم يخرج من أبنائها أديب فذ سوى الشاعرين الراحلين: محمد إقبال وهاشم الرفاعي. وفي تقديري فإن الساحة الأدبية في كل الدول العربية والإسلامية تفتقد مثل هؤلاء الأدباء بسبب سيطرة العلمانيين من أصحاب المناصب الأدبية الشاذة المنبتّة الجذور عن مجتمعنا وعن الواقع الوجداني للناس – مثل المذاهب الحداثية والبنيوية وما بعد الحداثية وما بعد البنيوية - على أجهزة الإعلام ووسائل التعبير. والذين عملوا على فرضها قسرًا على المبدعين ومتلقي الإبداع معًا حتى نضبت الحركة الأدبية.

ب - الحلال والحرام في الفن الإسلامي:

من الخطأ المشاع أن نقول: إن هناك أنواعًا من الفنون حرام وأنواع من الفن حلال؛ لأن استقراء المنهج الإسلامي في التشريع يكشف عن عدم ورود التحليل أو التحريم المطلق لجنس شيء من الأشياء. فكل شيء يدخل في نطاق الفعل الإنساني تندرج مفرداته بين الحلال والحرام في الإسلام، سواء أكان ذلك طعامًا أو شرابًا أو متعة أو لهوًا أو أي شيء. وكذلك ينطبق الأمر على سائر أنواع الفنون المختلفة حتى الرقص نفسه يمكن تقسيمه بين الحلال والحرام. فعلى الرغم من كونه للوهلة الأولى يبدو فجورًا، إلا أنه لا يستطيع أحد الذهاب إلى تحريم رقص المرأة أمام زوجها. إلا أن الأهم من ذلك هو ما ثبت في الصحيح عن مشاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله تعالى عنها لرقص الحبشة. ومن ثم فإن القاعدة التي نستطيع أن ننطلق منها في قياس هذه الأمور هي القاعدة التي أرساها الرسول نفسه صلى الله علي وسلم في حكم الإسلام على الشعر، وذلك في قوله: "الشعر كالكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح" (متفق عليه). فهي قاعدة يمكن تعميمها على جميع أنواع الفنون.

جـ – ضرورة الفن ومبدأ جواز الخطأ:

في ظل حالة الصراع الفكري التي يشهدها العالم الآن فيما يسمى بعصر العولمة، فإن الفن يمثل أخطر سلاح في الوجود بعد القنبلة الذرية وأسلحة الدمار الشامل. وعلى ذلك فمسألة العلاقة بين الإسلام والفن تتجاوز حالة الاشتباك الفقهي الذي لا ينتهي بين الإسلاميين حول الحلال والحرام في قضايا الفن، وتدخل في نطاق آخر هو نطاق الضرورة القصوى التي تتمثل في سلاح فائق الخطورة، إذا توانى طرف في استخدامه فإن الآخرين لن يتوانوا في استخدامه ضده بأقصى سرعة. ومن ناحية أخرى فإن للفن القدرة المثلى على تبليغ دعوة الله إلى النفوس. وإنه لمغزى كبير لم نتعلم منه كثيرًا أن رسالة الله إلينا قد بعثها في أعظم كتاب فني في العالم في تقدير الكثير من الملحدين أنفسهم، وتمثيل التصورات والقيم الدالة على العلاقات الفاعلة بين الإنسان والوجود في عمل إبداعي يرتب أكبر التأثير في ترسيخ هذه التصورات والقيم في نفوس البشر، ويدفعهم إلى امتثالها والارتقاء بها إلى الله الذي هو غاية الوجود.

وعلى ذلك فيجب التأكيد على وجوب اقتحام المبدعين الإسلاميين للمجالات المختلفة للفنون بما في ذلك المجالات التي تم استحداثها في هذا العصر مثل السينما والتليفزيون. إن ما يستطيع الفيلم أو المسلسل التليفزيوني تحقيقه يفوق الأثر الذي تستطيع تحقيقه آلاف الكتب والندوات والخطب. وقد يكون المخرجون وكتاب السيناريو في المستقبل هم أكثر المفكرين تأثيرًا على العالم. ومن ثم فإن حاجتنا إلى صناعة جيل من المخرجين وكتاب السيناريو الذين يستلهمون المفاهيم والقيم الإسلامية من أجل نشرها على الناس في العالم أهم من حاجتنا إلى آلاف الوعاظ والدعاة. إن هذا يمثل واحدة من أهم الخطوات الدالة على أننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو التجديد، وأننا نملك القدرة الفعلية على مواكبة المتغيرات الدائمة التي يشهدها العالم.

والإشكالية التي تُطرح هنا هي: هل يكون على المبدع الذي يريد اقتحام هذه المجالات أن يكون ملمًا بمفردات القيم والشرائع الإسلامية التي يتطلبها شمول هذه المجالات لكل النواحي الحياتية للبشر، وأن يكون قادرًا على استخلاص الأحكام الاجتهادية من هذه القيم والشرائع التي تواكب حركة الحياة ومستجداتها الدائمة؟

إن تطلب ذلك يعني في الحقيقة اشتراط توافر القدرة على الاجتهاد المطلق في كل فنان يريد إبداع فن إسلامي في هذه المجالات. وحيث إن تطلب ذلك يخرج عن التصور فلا بد من الإيمان بمبدأ جواز الخطأ، ما دام الباعث القائد للعمل الإبداعي هو تمثل الحقائق الإسلامية التي تتمحور حول الإيمان والخير والسمو بالبشر إلى القيم الإسلامية المثلى.

فالفارق المائز للإبداع الفني على العمل العقلي المخطط يعني أن الملكة الروحية القادرة على توظيف هذا الإبداع ليست تلك الملكة التي تحاول فعل ذلك أثناء عملية الإبداع نفسها، ولكنها الملكة التي تمكنت من نفس الفنان وترسخت فيها تمامًا، حتى إذا فاضت نفس الفنان بالعمل الإبداعي فاضت عن تلك الملكة الروحية دون توظيف أو إخضاع للمنطق. ولذلك فإنه يكفي للفن الإسلامي لبلوغه درجات مثلى من الفن الإسلامي النموذجي أن يكون منطويًا عن تلك الملكة الروحية العامة دون إغراق في التفاصيل، حتى ولو أدى ذلك إلى السقوط في بعض الأخطاء.

ومع الاقتحام المستمر لتلك المجالات الفنية الجديدة وتكرار الخطأ واكتشافه يتم إنضاج التجربة الفنية الإسلامية في هذه المجالات وتتبلور الرؤية المتكاملة لها في النهاية.

وما نقوله هنا عن الإبداع الفني الإسلامي في هذه المجالات ليس شيئًا عجيبًا بعيد المنال، وإنما هناك العديد من التجارب التي تتمثله أو تقترب منه، فنشير سريعًا إلى التجارب التي تمثله بفيلم عن المختار للمخرج مصطفى العقاد. وإلى التجارب التي تقترب منه مثل أعمال محمود أبو زيد في السينما مثل: العار، وجري الوحوش. وكذا أعمال محمد جلال عبد القوي في التليفزيون، وخصوصًا: المال والبنون، وعلي عليوة. وكذلك أعمال سامي غنيم، مثل: الفرسان والأبطال.